أكتوبر- بين الدولة الوطنية وفوضى الجماعات في فلسطين
المؤلف: محمد حميدة10.07.2025

لكي لا يساء فهم الكلام ويُحمل على غير معناه المقصود، أود أن أؤكد مجدداً على أن مقاومة الاحتلال هو حق مشروع ومكفول حتى تحقيق الاستقلال التام وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وذلك وفقاً لما جاء في مبادرة السلام العربية عام 2002. ومع ذلك، يجب علينا التمعن في عدة نقاط أساسية من أجل فهم أعمق للوضع الراهن، آملاً في إدارة أفضل للمستقبل القريب.
مع التسليم بأن العدو واحد، وبالطبع مع وجود فوارق كبيرة في الإمكانيات، يمكننا أن نتأمل ونقف عند بعض المحطات الهامة بين حرب أكتوبر 1973 وما يحدث في أكتوبر 2023.
في حرب أكتوبر 1973، وعلى الرغم من الخسائر الفادحة التي لحقت بالجيش المصري في عام 1967، إلا أن الوحدة والتماسك والجهود المبذولة لإعادة البناء والمقاومة والتحرير، كانت جميعها تتم تحت لواء الدولة الوطنية، وبدون أي انتماءات أخرى غير الولاء للدولة. فتحقق النصر بعد إعداد دقيق للعدة والعتاد، والاستعداد الجيد، وبفضل دعم ومساندة الدول العربية الشقيقة لجيش ودولة وطنية تهدف إلى استعادة أراضيها. ولأن صوت الدولة كان موحداً وسيبقى كذلك، فقد تم استعادة طابا لاحقاً عن طريق المفاوضات، وأُجبرت إسرائيل على توقيع اتفاقية السلام.
أما في أحداث أكتوبر 2023، وبسبب الحسابات الضيقة التي تخدم مصالح فئة معينة وأطراف دولية بدت وكأنها متفرجة، فقد كانت النتائج وخيمة، حيث شاهد الجميع حجم الدمار والمجازر المروعة التي ارتكبها العدو بحق الأطفال والنساء. وذلك في ظل موازين قوى غير متكافئة ووضع سياسي خاطئ منذ عام 2007، وبسبب تغليب تيار فكري على مصلحة الدولة الوطنية، على الرغم من الأخطاء الكبيرة التي ارتكبتها السلطة أيضاً. كانت الغلبة للعدو وللدول الغربية التي رأت في حركة «حماس» مجرد جماعة تمثل تيارها الفكري، ولا تمثل الدولة الفلسطينية، مما أعطاها المبرر لدعم الاحتلال بكل قوة ودون خجل. وتلا ذلك ما رأيناه في لبنان، وما يُخطط له في سوريا، وحتى الموقف العربي كان مختلفاً، لأسباب يعرفها الجميع، والتي تسببت فيها التيارات المؤدلجة منذ عام 2011، مع العلم أن المواقف العربية ثابتة وراسخة تجاه إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967.
مع الاعتراف بعدم إمكانية المقارنة المباشرة بين ما حدث في أكتوبر 1973 وأكتوبر 2023 لأسباب عديدة ومتنوعة، إلا أن الدرس الأهم الذي أود استخلاصه هنا هو أنه في أكتوبر 1973 اصطفت الدول العربية بشكل كبير، عسكرياً واقتصادياً، بما في ذلك الدعم الروسي لمصر كدولة. وهذا هو الدرس الذي استوعبه العدو جيداً، وقرر ألا يواجه الدولة الوطنية في محيطه، بل ساهم في عمليات التقسيم العرقي والطائفي، وساعد الغرب في تحقيق ذلك. ولأن الجماعات والتيارات المؤدلجة والعرقية لديها مطامعها الخاصة، فقد ساهمت في الانحدار السريع نحو المشهد المؤسف الذي نراه الآن، وأصبحت الأحزاب والجماعات التي تعمل خارج سياق الدولة الوطنية هي من أهم أسباب انهيارها وتفككها.
وخلاصة القول، إن ما قامت به حماس في عام 2007 قاد إلى اللحظة الراهنة، وليست عملية أكتوبر 2023 هي السبب الوحيد. وما عززته المكونات الأخرى في دول عربية أخرى أدى إلى هذه النتائج الحالية. وما تسعى إليه بعض المكونات العرقية أو المذهبية في دول الجوار المحتل يرسم صورة مستقبلية مشابهة للواقع الحالي.
وعليه، فإني أتمنى من القمة العربية القادمة أن تشدد على رفض كافة أشكال الانفصال والتقسيم في المنطقة العربية، والتأكيد على عدم وجود أي رايات أخرى تعلو فوق راية الدولة الوطنية، والتي تتيح للجميع الحق في ممارسة السياسة والبناء والإعمار واستعادة هيبة الدولة، مع دعم توحيد السلطة في فلسطين من أجل استعادة أرضها.
ولأن السياسة وحسم المواجهات لا يعترفان بحسن النوايا، فالأمور دائماً تُقاس بالنتائج. وإذا كانت الغاية والهدف الأسمى هو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، فيجب أن يكون ذلك تحت راية واحدة موحدة. ولا قيمة للتنازل عن السلطة أمام الحفاظ على الشعب والأرض والأمل في استقلال فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية.
أخيراً، فإن الموقف العربي المشترك والتشاور الذي جرى في المملكة العربية السعودية، وموقف مصر والأردن والقمة المرتقبة في القاهرة، كل ذلك يؤكد أن الإجماع على قرار عربي واحد هو أمر فعال ومؤثر، وسيكون له تأثير أكبر في المستقبل.